محمد الجباري: إيماءة الحرف وروح المعنى
بقلم: عبد السلام الشويخ

بين اندفاع الإيماءة الخطية والفعل الإبداعي الخالص، يشكّل الفنان محمد الجباري عالماً بصرياً يتشابك فيه الزمن، الذاكرة، والكتابة العربية، ليصوغ فناً يتجاوز الشكل نحو المعنى. إن ممارسته التشكيلية ليست سوى سعي دائم نحو إعطاء معنى لحركة اليد وطاقة الحرف، واستنطاق الجمالية الحسية والروحانية في مساحة التكوين الفني.

في حوار بصري رفيع بين التجريد الجمالي وشاعرية الحرف، تتحرر الحروف العربية من دورها الوظيفي لتتحول إلى رموز حسية، نابضة بالجمال والروح، تنسج من خيوط اللون والشكل خطاباً فنياً مفعماً بالتأمل والدلالة. فالفنان يستلهم من الأرابيسك روحها، ويمنحها حياة معاصرة دون أن يفقدها صلتها بجذورها الثقافية العميقة.

يعتمد الجباري في تركيب أعماله على تنسيقات أفقية أو مربعة، تتيح للمشاهد قراءة متأنية لحركة اللون وتوزيع الحرف. أما الألوان، فهي ليست مجرد عناصر تزيينية، بل أدوات تعبير فلسفية حسية، تبني عوالم داخل العمل، وتحول الحروف والكلمات إلى شعر بصري، يجسد لقاءً روحياً بين الفن والخط العربي في بعده الإبداعي والتعبيري.

يتنقل الجباري في تجاربه بين مراحل متعدّدة من ثقافة الخط وتاريخه، مستحضراً من خلال معارضه الحاجة إلى إعادة اكتشاف الخط العربي كمرجع جوهري لممارسة فنية عربية إسلامية، تتجاوز مظاهر العالم المادي نحو أبعاد تجريدية روحية، تستمد قوتها من التنوع الإبداعي الخالص.

إن أعمال محمد الجباري تذكرنا بأن الفن، حتى في أقصى درجات تجريده، يمكن أن يكون صوتاً للثقافة، ومرآة للذاكرة، وجسراً يربط الأزمنة ببعضها. مع الجباري، لم تعد الحروف تُقرأ فقط، بل تُحَس، وتنبض، وتتنفس جمالاً.