ابو الخير الناصري 

zaîla.lettres 

ابو الخير الناصري 

ZAILA.COM
Asilah.fr

MENU

CULTURE LOCALE

ابو الخير الناصري 

 

والدتي ودرس كرة القدم 


نمت قليلا بعد وجبة الغداء، ثم استيقظت، وجلست أقرأ كتابا من كتب الرحلات. إنه السبت 10 ديسمبر 2022م، موعد مباراة المغرب والبرتغال في ربع نهائي كأس العالم. كان أكثر من صديق دعاني لمشاهدة المباراة في المقهى، لكني اعتذرت لهم، فقد توقفت منذ أعوام عن الاهتمام بكرة القدم لَعِبا ومشاهدة.

بعد صفحات من رحلة الشيخ محمد تقي الدين الهلالي "من الزبير إلى لا أدري...من الزبير إلى جنيف"، صعدت إلى الطابق العلوي لأشرب قهوة وأستمتع بمجالسة والدتي.

رأيت أختي تتابع المباراة بوساطة هاتفها، ورأيت والدتي مستلقية على فراشها، تتمتم بأذكارها، وتحرك حبات السبحة بأصابع يمناها.

قبلت يد للا عائشة، وسألتها ضاحكا:
- أراك لا تتابعين المباراة!؟

فردت في جد:
- ما كنقدرشي أولدي. قلبي كيبقى يترعد إذا ضيعوا شي فرصة، أو سجلوا عليهم شي هدف.

ابتسمت وعدت للسؤال:
- وبغيتي المغرب يغلب؟

فأسرعت تجيب معللة:
- نعم أولدي، على الأقل ما يبقاوشي المغاربة محقورين.

وأعادت على مسمعي ما حدث بين أحد إخوتي بفرنسا وبين صديق له فرنسي يومَ انتصر المنتخب المغربي على المنتخب الإسباني، وكان مما قالته: "سأل الفرنسي أخاك محتقِرا: كيف انتصرتم أنتم على إسبانيا!؟".

ناولتني أختي كوب قهوة، وجلست قليلا معها ومع للا عائشة، ثم عدت لمجالسة رحلة محمد تقي الدين الهلالي، لكن كلام للا عائشة ألح على ذهني، وحال بيني وبين مواصلة القراءة، ووجدتني أفكر في قولها: "نعم أولدي، على الأقل ما يبقاوشي المغاربة محقورين"!!

كم مغربيٍّ رفع رأسه عاليا يوم انتصر الفريق المغربي على الفرق البلجيكي، والكندي، والإسباني، والبرتغالي!

كم عربيٍّ، وإفريقي، وغربي ناصرَ المنتخبَ المغربي، وهنأ الشعب المغربي بالانتصارات المتتالية!

ورأيت نظرة الاحتقار في عيني الأوروبي الذي سأل أخي سؤال احتقار وتنقيص وتقليل من الشأن، ورأيت النظرة نفسها في عيون الكثيرين وقد بدأت تتوارى لتَحُلَّ محلَّها نظرة تقدير وتوقير.

ورأيت في الانتصار الكروي ضربا من ضروب استعادة الكرامة الإنسانية المستباحة!

نعم لا يخلو الأمرُ من لعب - فالكرة في النهاية لعبة - لكنه لعبٌ مُسهمٌ في بناء تصوراتٍ، وتشكيل أنظار وأفكار، وتغيير اقتناعات وتبديل نفسيات.

ولئن كنا محتقَرين، من قبلُ، في مجال كرة القدم، فقد حررتنا انتصاراتُ المنتخَب الوطني من احتقار الكثيرين لنا.

والأملُ كله أن تندثر نظرات احتقار الآخرين لنا وهم ينظرون إلى فوزنا في ميادين الصحة، والتعليم، والعدل، والسكن، والعمل...في بلداننا نحن العربَ والمسلمين.

وحينما عدت يوم الاثنين 12 من ديسمبر للعمل بعد عطلةٍ استمرت أسبوعا، سألني أفراد من تلاميذي، في لحظات الاستراحة، أسئلة تتصل بفوز المنتخب الوطني في تباريه على كأس العالم، فحدثتهم بدرس الكرامة التي استعادها المغاربة والعرب والأفارقة عقب انتصارات المنتخب، ورأيت في عيونهم إعجابا بما سمعوا مني وتقديرا له.

وقد ظنوا، في أثناء شرحي "لدرس الكرامة" المسترجَعَة،  أن ذلك من بنات أفكاري، لكني - والحق يُقال - لم أكن سوى شارح مفسر لما تعلمتُه من والدتي الغالية للا عائشة، ونسيتُ أن أخبرهم أنها هي من تلقنهم هذا الدرسَ بواسطة ابنها أبي الخير الذي ما زال يتعلم منها كل يوم.

حفظك الله تعالى والدتي الحبيبة، وبارك لك في صحتك، ولا حرمني من وصاياك وبركة دعائك، وحفظ الله المغرب والمغاربة، والعرب، والمسلمين، ووفقهم في مختلف ميادين الحياة كما وفقهم في ميدان الكرة. اللهم آمين.
أبو الخير الناصري
أصيلا  في 13 من ديسمبر 2022م.

 

والدتي ودرس كرة القدم 


- من مواليد مدينة أصيلة.
- حاصل على الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان.
- أستاذ بالتعليم الثانوي.
- شارك في إعداد معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.
- شارك في ندوات ولقاءات علمية وطنية ودولية.
- عضو المكتب الإداري لجمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير.
- عضو المكتب الإداري لمؤسسة طنجة العالمة.
- صدرت له الكتب الآتية:
1. تصويبات لغوية في الفصحى والعامية (2008).
2. في صحبة سيدي محمد الناصري رحمه الله تعالى ( 2008).
3. لا أعبد ما تعبدون (2011).
4. وردة في جدار (2015).
5. خارج القفص (2016).
6. في صحبة أستاذي محمد الحافظ الروسي (2017).
7. غيمات الندى (2019).
8. أحمد عبد السلام البقالي: الإبداع وإشراقاته - بالاشتراك مع آخرين- (2011).
9. حازم القرطاجني وقضايا تجديد الرؤية والمنهج في البلاغة  العربية القديمة - بالاشتراك مع آخرين - (2018).
10. لمع من ذاكرة القصر الكبير، ج02، بالاشتراك مع آخرين (2018).
11. لمع من ذاكرة القصر الكبير، ج03، بالاشتراك مع آخرين (2021).