نخلي عبدالقادر 

عبدالقادر نخلي

MENU

ZAILA.COM
Asilah.fr

CULTURE LOCALE

أصيلة ما بين القرن  2 و 9 هجري ـ 8  و 15 ميلادي ـ باختصار

كلهم  ـ أي الرحالة ـ يصِفون أصيلة  بنفس الطريقة،  أي  كأول مدينة تقع   على البحر شمالاً بعد تخطِّ أعمدة  هرق ـ جبل  طارق. منهم من يقول أنها أزلية و أخرون  يعتبرونها مُحدثة.  المهم أنهم لا يستثنوا وُجود أصيلة  كمدينة  قائمة و محاطة بسور و هم في طريقهم  من طنجة إلى فاس  و  ضمن مجموعة من مدن أخرى منها مازالت قائمة و منها ما انقضى نحْبَها،  نذكر من ذلك أساسا  الحُمر و البصْرة ـ بين العرائش و القصر الكبير .. سنأتي على ذكرهما لاحقا..
فالحديث عن أصيلة  و هي مطابقة لما هو  عليه اليوم (في حدود المدينة القديمة ) نجِده في الكتابات العربية  مند القرن الثامن الميلادي،  أي بعد دخول  موسى ابن نصير.  فابن حوْقل  و ابن عُداري  و أبي زرع و ياقوت الحموي  و الحُميْري و البكري  و ليون الأفريقي و الإدريسي وصولا إلى ابنِ عاشور و غيرهم  قدْ استوفوا حديثًا عن أصيلة  و ناحيتها، و خصَّصوا لها عنوانا مستقلا يحمل اسم المدينة  أصيلا / أزيْلى .. دليل على  الجُدور التاريخية  و التراثية   لهاته المدينة.   و هذا هو بيت القصيد  من كتابتنا.. بمعنى،  كيف لنا  ـ راهنا  ـ أنوظف هذا التاريخ في بناء شخصية مستقلة لأصيلة كلبنة أولى لمستقبل زيلاشي زاهر، و  بعيدا عن الهيمنة و الوصاية  و التبعية  لمدن إقليمية ـ أقْصِد  طنجة  و العرائش. هكذا:
ـ خلال القرنين الأولين من الوجود الإسلامي بالمغرب   تقلبت أوضاع بلاد الهبط و من تم  أصيلة في إطار الصراع  بين  ُولاة المشرق / القيروان  و  الخوارج و الفاطميين من جهة  و أمراء الأندلس من جهة ثانية. بل أن  المغرب كله سيُكابِدُ مملكتين عظيمتين: دولة العبديين و الفاطميين بمصر و افريقيا أي تونس حاليا  و دولة بني أُمية بالأندلس ـ كما ورد في مؤلف روض القرطاس. أي  بين التشيع و أفكاره شرقا و بين المذهب المالكي السني  غربا. و هُنا  الخطأ الذي ارتكبوه أحفاد أدريس الثاني ـ ابن  كننون و أبو العيْش ـ  اللذين استقروا ببلاد الهبط حيث احتضنوا و تبنوا المذهب الشيعي.  أصيلة كانت مسرحا لتلك الأحداث أيضا. حيث لاحق الأمويون الشيعة داخل مسجد أصيلة و حطموا المنبر الذي عُلق عليه اسم  قائد شيعي ـ معاد بن إسماعيل  كان ذلك في صيف  973 م. 
ـ فأصيلة و نواحيها كانت من حظ القاسم بن إدريس الثاني ثم بعده  لبني القاسم بن ادريس، فاستمرت امارتهم بأقصى شمال غرب المغرب  ما بين 905 و985م وقد اتخذوا عدة مدن كعواصم لهم كزهجوگة  و تازروت وحجر النسر  و أصيلة  ...  لكن سلطة الأدارسة ظلت متذبذبة القِوى حيث كانت مستقلة أحيانا أو تابعة للسلطة الأموية بالأندلس خلال عهد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان  و عبدالرحمان  الثالث الملقب بالناصر لدين الله ـ توفي هذا الأخير سنة 350 للهجرة،  الى أن أنهى إمارتهم  ـ أي إمارة الأدارسة موسى بن أبي العافية المكناسي.
ـ القرن 11 م سيدخل المرابطون  على  خط الأحداث لإنهاء حالة الانقسام المذهبي و إحلال سلطة مركزية.   
ـ نعود بلأحداث قليلا إلى الوراء أي خلال النصف الأول من القرن التاسع الميلادي حيث  تعرضت أصيلة لعدة هجمات و نهب و تسيب من طرف الفايكينك و هم بحارة و  ُقطاع طرق و شعوب ضارية لا ترحم.. قادمة من شمال أروبا ..   كانوا يسمونهم بالمجوس،  نقلها  و  ترجمها العرب عن كلمةpaganos , païen   التي تعني الكفار..  الوثني ..    و من لا عقيدة له.. بمعنى آخر أن الفايكينك لم يكونوا يدينون بالمسيحية في هاته الفترة و قد ضاق المسلمون و المسيحيون على السواء دِرْعا منهم.  فهاجموا و سيطروا في أول الأمر على الكنائس و الأديرة  و مدن  المسيحيين ..  و هم في طريقهم نحو الجنوب  نهبا و تنكيلا بالمواقع  و الأماكن المنعزلة   وصلوا الأندلس حوالي 840 م  و هاجموا كل من غليسيا و لشبونة و إشبيلية ...  و من ثم أصيلة كأول مدينة تراءت لهم جاثمة  عل الشاطئ. و للإشارة فإن الفايكينك  إلى جانب الدنماركيين  و اسكندينافيين يشكلون شعوب النورماند التي تعني انسان الشمال. 
ـ سنة 936م  هاجم الإنجليز أصيلة  بأسطول ضخم،  و أضرموا النار فيها  و حكَّموا السيف في رِقاب  أهلها.  بقية المدينة  مُخربة مهجورة زهاء 30 سنة.  إلا أنه   في عهد  ملوك قرطبة ( الخليفة  6 و 7 )  أعادوا بنائها و جعلوها في أحسن حال و أقوى مما كانت عليه في السابق ، و أصبح سكانها واسعي الثراء و مثقفين و رجال حرب كما جاء على لسان الحسن   الوزاني ـ ُيلقب أيضا ب ليون الأفريقي .
ـ و الغريب أنه و بالرغم من تعثر الحياة السياسية  للأدارسة بالمنطقة  فإن أصيلة  ازدهرت و توسع اشعاعها و اهتم الأدارسة  بعمرانها و حياة الحضر..
ـ وفي خضم الأحداث ـ أواخر  القرن الثالث الهجري ـ  استقبلت المدينة واحدة من أهم الهجرات الأندلسية وهي هجرة أهالي شذونة بالأندلس الذين فروا من بطش الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن  السابق ذكره  بعد فشل ثورتهم. وقد جعلت هذه الهجرة الجماعية من أصيلة مركزا حضاريا مهما شمال المغرب.
ـ  عن هاته الفترة (القرن 10 و 11 )  يُحدثنا عُبيْدالله البكري نقلا عن آخرين قائلا: [  و سوقها حافلة يوم الجمعة و ماء آبارها شرِيبْ،   و خارج أسوارها  آبار عذبة مثل بئر عدل و بئر السانية ، و مقبرتها في شرقها،  و مرساها مأمون ... و يستدير بالمرسى ... جسر من حِجارة مخلوقة تحمي السفن   من  هيجان البحر.  ... و عندما يرْتجُّ البحر فإن الموج يبلغ حائط المسجد ـ ربما يقصد جامع لَلاسعيدة. و يضيف هذا الجغرافي،  أن للمدينة خمسة أبواب  و أن أرضها  سهلة كانت  ملكا لقبيلة لواتة . و يدكرُ أيضا  أسماء لقبائل مجاورة مثل  بنوا زياد بشرقها  و هوارة الساحل بغربها،   و غارٌ كبير على البحر، إذا مدَّ و صل إليه...  و بين القبلة و الغرب عين تُعرف بعين الخشب  و خندق يُعرف بخندق المعزة و خندق آخر يُعرف بخندق السراديف،  و بغربها  خندق يُعرف بتاشْتْ ... فيه مرعى مواشي أهلها ] لعل  عبيد الله البكري يتحدث   هنا   و مند تسعة  قرون من يومنا هذا عن جنوب غرب أصيلا في إتجاه  قبائل تندافل و العقبة   و دوار ارهونة و اخميس الساحل و كهف الحمام  الذي هو إشارة لوجود موقع سكني بائد بتلك النواحي ..
ـ  و بالفعل فالمرسى التي كانت مرفئ طبيعي من صخور ظل قائما إلى بداية القرن 20 حيث بنى الإسبان المرفئ  فوق الميناء  الطبيعي القديم. اما الحديث عن المقبرة في شرق المدينة فربما يقصد مقبرة سيدي عامر.  أما البئر الخارج عن الأسوار  مائه عذب فربما هو البئر الموجود بمصلحة الأشغال العمومية أو بمخيم الشريكي لأن هناك خريطة تعود لسنة 1883  تم الرسم عليها موقع بئر السانية. 
ـ  و من الطبيعي ان يواكب هذا الثراء و الوسع حركة فكرية و علمية بالمدينة و قتها و لا أدل على ذلك من وجود شعراء و علماء برزوا فيها كالشاعر إبراهيم بن محمد الأصيلي  و ولده محمد بن إبراهيم الأصيلي  المتوفى بقرطبة أوائل القرن الحادي عشر  1002 .
ـ  سنة 1212م  / 609 ه انهزام الجيش الموحدي أمام الجيش القشتالي في معركة العُقاب بالأندلس قرب طرطوشة   فخلت أصيلة من سكانها مثلما  حدث لعدد من مدن و قرى المغرب الواقعة بالشمال ..   
ـ  سنة 1265 م 633 ه تعرضت أصيلة لدمار شامل من طرف حاكم سبتة  ـ أبو القاسم العزفي ـ خوفا من أن يستوطنها النصارى و يحتمون بها ـ اجراء لم يكن  في محله  من وجهة نظر بعض المؤرخين.
ـ  لكن تزايدت أهمية المدينة  بالتدريج خلال القرون اللاحقة، فسنة 1307 كانت المدينة تعج بالشركات الأجنبية التابعة لمدينتي جنوة والبندقية، وابتداء من هذه السنة دخلت مدينة برشلونة على خط التنافس التجاري حيث صار لها خمس شركات تجارية أيضا.
ـ  يحدثنا الحميري  من القرن 15 م  فيقول عن أصيلة [ بلد بقرب طنجة و هي مدينة كبيرة قديمة عامر آهلة كثيرة الخير و الخصب و كان لها مرسى مقصود. ]
ـ  أواخر الدولة المرينية ستظهر اصيلة على مسرح الأحداث السياسية و الأقتصادية مرة أخرى،  حيث  الْتجأ إليها محمد الشيخ الوطاسي  و انطلق من أصيلة لمحاربة آخر ملوك المرينيين فاستولى على فاس و بويع بها سلطانا .
ـ  اجمالا نقول أن أصيلا جملتها ساكنتها و عمرتها و أعادت تعميرها باستمرار، و  خلال فترات  متكررة صارت من أشهر المدن سواء من حيت البضائع و الآداب و الأسلحة و العمران،  لكن بُعدها عن اقرب مركز للإغاثة و  عن مركز الدولة  ( مراكش و فاس. ) جعلها تتعرض للدمار و الهجْر لمرات عديدة. آخر حلقات هذا المشهد  ما قام به البرتغال سنة 1471.
قُلنا أن أصيلة ليست زليس   Zilis  بالمرة  .. السؤال من الذي أسس أصيلة ؟ و متى ؟ و ما قصة أسمها ؟
                         


                                                  نخلي عبدالقادر

أصيلة ما بين القرن  2 و 9 هجري ـ 8  و 15 ميلادي ـ باختصار 

zaïla.Histoire