نخلي عبدالقادر
MENU
ZAILA.COM
Asilah.fr
CULTURE LOCALE
أ
سنة 1989 حصلت أصيلة على جائزة الأغخان للعمارة الإسلامية، سُلِّمت لها في حفل بهيج بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة ضمن مشروع [ إعادة تأهيل المدينة]. و بالفعل عرفت المدينة القديمة قبل ذلك ترصيف للأزقة و اصلاح الإنارة و ربط مبانيها بشبكة المياه الصالح للشرب و المياه العادمة مع ترميم للأسوار و الأبراج و الاعتناء بالوسط البيئي... كل ذلك بمجهودات و أموال الجماعة و الساكنة فقط، و على حساب مشاريع تنموية لا تقل أهمية تم تأجيلها إلى عهْد غير مسمى.
بحكم هذا الحدث دخلت أصيلة القديمة أروقة المضاربة العقارية و صارت مجالا مباحا من طرف الأجانب لامتلاك شقة إضافية أو لتكديس ثروة ما ... فحدث ما يلي :
ـ ارتفاع أثمنة العقار بالمدينة القديمة بشكل فاحش .
ـ العديد من الأُسَرْ الزيلاشية و تحت الإغراء المالي هرْوَلتْ لبيع عقارها و آثرتْ الاستقرار بأحياء هامشية غير مهيكلة مثل السقاية و مرج بوطيب الأعلى، و ما تبقى لها من تركةٍ ساعدت به أحد أبنائها للهجرة إلى اسبانيا في أحسن الأحوال.
ـ سادت حمْلة من البناء الجديد تعويضا عن ما كان يُسمى بالخْربْ، هذا البناء و إن حاول أن يجِد تناسقا مع الشكل المعماري لمجموع الأبنية القديم فإنه لم ينجح في التصميم لا الداخلي و لا الخارجي منه، و حتى على مستوى الألوان و الذوق و الزخرفة المعمارية، و الدليل أن المُتجول بأحياء المدينة القديمة يدرك الفرق من أول نظرة بين الأصيل و المُفبْرك. [ قارن بين ساحة الطيقان و ساحة الهادي بن عيسى}
ـ غالبية هذه الدُّور فارغة أو للْلإصطياف الموسمي فقط لدرجة ان بعضها و أن كانت حديثة توحي بأنها مهجورة.
ـ تَغَوَّلَ التعمير و تطاول البُنْيان فوق بعضه البعض، الكل يسعى إلى رؤية البحر من فوق قُبعة منزله فلا البحر صار على مدِّ البصر و لا حُرمة الأسْطُحِ أصبحت مُصانة.
ـ أُحيطت بالمدينة القديمة ـ كما هو من الداخل ـ هالة من الأرصفة و الإسمنت أو ما يسمى بbétonisation مما أفقدها تلك االلمسة. البيئة .. و صارت تلك الأسوار الضخمة بأبراجها ـ قزما. نفس الاستنتاج بالنسبة لصوامع المساجد حيثُ باتتْ صاغرة أمام ارتفاع بعض البنايات فوقها { مِأذنة مسجد للارحمة و جامع الزكوري مثلا}.
إلى عهد قريب كانت هذه المدينة وسط حضري نشيط و مليئ بالحيوية في كل الأتجاهات {دين، ثقافة، إقتصاد ..} علاقة الساكنة مكثفة و وثيقة مبنية على مجموع الأعراف و المعتقدات و الأخلاق و المبادئ و أسلوب عيش مشترك و وحدة الأسرة. كان الدرب / الزقاق مجالا للتعايش اليومي، تساكن قائم على الإحترام بين الجيران و التعاون و مراعات خصوصية كل منزل. ثم كانت هناك أزقة أوسع و ساحات حيث يتواجد الفران و البقال و الحمام و الكتاتيب القرآنية و المسجد و المدرسة و محلات للصناعة التقليدية.. كلها و غيرها فضاءات للتلاقي و التشاور و التبادل المعرفي، بل و حتى متنفسا للمتعة و الترويح عن النفس. ساحة المجيمع و الزوايا مثلا. دون شك، كانت المدينة القديمة هاته كتلة واحدة مندمجة قلبا و قالبا في محيطها المحلي و الأقليمي و فضاءًا مُعاشا بِشكل يومي و محسوسا من طرف الجميع. بتنظيمها هذا كانت تستجيب لمنطق يتناسب و المجتمع الزيلاشي آنذاك.
اليوم، أصبح هذا الفضاء يوحي إلى نوع من الاستغراب و النمطية و أن المجال العام صار مُعوْلبٌ مع نوع من التفاوت الاجتماعي..... أمست حاليا مجالا عمرانيا أخرسْ، غاب عنه التناسق و البساطة في الألوان و الحس المشترك.. فالأبواب موصدة باستمرار وجها لوجه، بعض الأزقة موحش في واضحة النهار، الجيران في حالت نكرة و نُكران لِبعضهم البعض، تغير البنية السكانية و انحصار النمو الديموغرافي قائم .. علما أن المدينة القديمة هاته تظل المجال العمراني الأوحد الذي يميز أصيلة عن غيرها من المجالات الحضرية. و تظل ميدانا غير قابل للاستنساخ ، فأي تدخل بهدف تقييمه و اعادت الاعتبار له يجب أن يتم بعناية فائقة بهدف الحفاظ على أصالته و أهميته التاريخية.
رُبما الصور { قبل 1989 } المصاحبة لهاته الأسطر تؤرخ لآخر عهد للمجتمع الزيلاشي العتيق.
عبدالقادر نخلي
zaïla.Histoire