نخلي عبدالقادر 

عبدالقادر نخلي

MENU

ZAILA.COM
Asilah.fr

CULTURE LOCALE

الشريف أحمد الريسوني  و الاستكبار الغربي 


بِلغة اليوم لقالوا عنه إرهابي،  داعشي و ما كان لينجو من سجن غوانتنامو و لا من أحداث اصطدام الطائرتين بمركز التجارة العالمي يوم  11 سبتمبر  2001،   و لا من التهم الموكلة لجماعة بوكوحرام بالغرب الإسلامي إلا بفارق المائة سنة التي تفصل بين الأحداث.   لا لأن  الرجل ـ  أي  الشريف أحمد الريسوني كان يحمل هما وطنيا و لا لأنه كان يروع الساكنة بجولاته و صولاته  كما قيل، و لا لأنه زاحم السلطان الشرعي في ملكه،  أو أنه اختطف مواطنين من أصول ميروفانجية، فكُلها  اعتبارات و ملفات فجة  طبعا،  لكنها أبعد ما تكون  لتهز مشاعر  و ضمائر  ساسة فرنسا و إنجلترا و اسبانيا و ألمانيا   و النمسا وأمريكا الفتية وقتها... لقد بات في عزمهم المسبق  استعمار الأمم.  و أن غَزْ وَ  وطنٍ و تَطْويع شَعب صار عند هؤلاء، و مند  القرن السابع عشر  مسألة قضمة  أي عضة ساندويتش.
بالمختصر و ربما المفيد، أن المجاهد أحمد الريسوني ـ كغيره  ـ  و قف أمام مشروع الهيمنة و الاستكبار الغربي  .. مشروع امبريالي ظاهره تصدير الحرية و الرفاه و اقتسام منافع ربيع ثوراتهم  مع باقي الشعوب و باطنه توسيع مجالاتهم الحيوية و إيجاد حدائق خلفية لأوطانهم. و هو ما يُعرف استراتيجيا، بالإمبريالية الجديدة أوِ اللُّعْبة الكبرى و التدافع على افريقيا.  و ما كان مؤتمر فيينا  1815، و مدريد 1880،  و برلين 1884،   و لا اتفاقية  سايس بيكو 1916  و مؤتمر باريز 1919 و  الجزيرة الخضراء  1906  إلا لقاءات سرية و علنية، قسموا على أثرها الشرق و الغرب و صَنَعوا دولاً،  قيل  وطنية،  لكنها  مشروطة بدفتر التحملات  في غياب استحضار شخصية الأهالي و  الثقافات المحلية.  و لتأمين الهدف، كان لابد  من صَنْدَقَة ِ الشُّعوب و زَنْدَقَةِ الأحْرار و تَسْطيحِ الإرادات  و ردم امبراطوريات و استعمال عَتَاد النار و   شراء الدمم و تزوير العُملات المحلية و استغلال ضيْق المواطنين...
ظهر لهم  الشريف أحمد الريسوني بدائرة المضيق El circuito del estrecho كثعلبٍ  غير  قابل للتَّعْليبِ .. لنقل  كمجاهدٍ من طِراز السلف  ما بين سنة 1907 و 1919. فما المانع من شيْطنةِ الرجل و قد اجتمعت فيه كل الشروط  {جلباب، ملتحي، بدين، يدين بالإسلام،  يحرض القبائل ضد الإفرنج، يحمل سلاحا، يفر و يكر بين الجبال والوهاد، انفصالي،  يُتْلف   ثروات البلاد،  له سجون سرية،   ضد حقوق الإنسان... }  تسويق هذه الصورة كان  لا بد منها لعزله محليا و دوليا. أطلق عليه الأسبان الزعيم ـ El caudillo    و المغامر ـ El aventurero  و اللِّص ـ  El bandido  و الثائر ـ  El rebelde.    هي تسميات سبق أن أطلقها الإسبان و البرتغال  على زعماء حركات التحرر بأمريكا  اللاتنية  أواخر القرن 19. مشهدٌ أيضا صوره الأمْريكان عند أفلامِ رُعاة البقر Cow-boy   حيث يركزون على مجموعات بالمكسيك  و هي خارج القانون  تسطوا  على الأبناك و تروع الساكنة المُعمرة les colonies  ،  ثم يأتي البطل  الأمريكي العادل، مُخلِّصا و قاتلا في نفس الوقت،  لكن بالقانون  هذه المرة.  و ما غزو العراق و التنكيل بصدام إلا سيناريو  آخر ليس ببعيد.
و سيتضح المشهد أكثر إذا ما علمنا  أن النظام الإمبريالي هذا يدور حول نظرية آدم اسميت الذي  دعا إلى تعزيز المنافسة، وحرية التجارة، بوصفها الوسيلة الفضلى لتحقيق أكبر قدر من الثروة والسعادة ـ كتاب ثروة الأمم  1776 . فعولمة التجارة  هاته صارت أمرًا مَحْمُوًمًا فيما بينهم، فكان لا بد من  تأمين الممرات و المسالك البرية و البحرية. مضيق جبل طارق و قناة السويس هما المنفذان الوحيدان للتنقل بين الشرق و الغرب.  و أن البحر المتوسط بؤرة البحور و أوسطها، أطلق عليه الرومان mar nostum ـ بحرُنا. فزعموا من ارثهم المشترك.  فلا غرابة أن تتمركز القوات الإنجليزيه و الفرنسية و الإسبانية و الإيطالية و البرتغالية بمدينة طنجة،  و أن يزور المستشار الألماني  غيوم شخصيا طنجة، و أن  تتعلق المملكة المتحدة بجبل طارق.  سبتة و مليلية صارتا خطا أحمرا لإسبانيا في كل المعاهدات. اجتمعوا عند فوهة المضيق بين سلم و لا سلم،  بين الضغينة و المَكيدة ، هُمُواْ  الأعداء على الدوامِ  فيما بينهم، لكنهم الإخوة  إلى الأبد  ضد مصالح الإمبراطورية  المغربية الشريفة ـ كما كانوا يسمُّونها حينئدٍ.
ضمن هذا السياق الدولي و  الجيوسياسي ينبغي فهم حركة أحمد  الريسوني  و عمله المسلح  لمدة 15 سنة دوخ خلالها الإسبان. و اسْتفزَ   الفرنسيين،  و دخلت الولايات المتحدة على الخط  بحضورها مؤتمر الجزيرة الخضراء كوسيط.   
هكذا و من االبساطة  بمكان ان  نحصر ظاهرة الريسوني  هاته  عند حدود ضيقة:  كاعتباره لص بلطجي مجرم...  علما أن  الرئيس الأمريكي رُوزفلت  حرك بوارجه البحرية  نحو مضيق جبل طارق لمواجهته،   و أن الصحافة العالمية صارت ترصد أحداثه  عن كثب. و هو  الذي  ـ أي أحمد الريسوني ـ  عارض مُخرجات مؤتمر الجزيرة الخضراء،  فاوض الجنرال سلفستر أكثر من مرة ـ  1909،  و المقيم العام الإسباني بشمال المغرب  خوردنا ـ Jordana  ـ 1915 ، و استجابوا لمطالبه. و هنا لابد من استحضار و  وُقوف مقاطعة كاطلونيا ضد التغلغل الإسباني في المغرب و إصدارها سنة 1909 بلاغا يثمن جهود الريسوني. و  في خضم الحرب العالمية الأولى اتهمت فرنسا اسبانيا بعدم الحياد و عجز حكومتها عن كبح جموح أحمد الريسوني و بالعمل لصالح ألمانيا ، نقل الصحفي محمد بناني  عن الريسوني قائلا [ أنا أريد من النصارى أن يبقوا بأرضهم و نحتفظ نحن بأرضنا ] .  قال عنه أيضا توماس فيكراس و هو الذي روج عنه الكثير من الترهات قال [ كان الريسوني يتمتع بذكاء عال ويقظة كبيرة، وله ممارسة سياسية على قدر كبير من النضج ودراية كبيرة بالأوضاع السياسية الدولية والعالم الإسلامي، وكان يطمح إلى رؤية المغرب حرا ومن دون أية وصاية أجنبية ].  و كان  له موقفا سياسيا بين الملك عبدالعزيز و الملك عبدالحفيظ: انحاز للثاني لأن الأول فتح الباب على مصراعيه للنصارى  فضاعت مصالح المغاربة من وجهة نظره. 
مرة أخري نقول أنه ضمن هذا الإطار الدولي و ضمن هذا السياق الجيوسياسي ينبغي  قراءة حركة الشريف احمد الريسوني ما بين سنة 1907 و 1919 . ركز الريسوني نشاطه الجهادي هذا على المناطق الساحلية الممتدة من تطوان مرورا بمشارف طنجة  و عبر أصيلة و العرائش في اتجاه القصر الكبير، و لتبقي الأراضي  الخلفية ـ بلاد اجبالة ـ الظهر الذي  كان يحميه. مرحلة خاض خلالها الريسوني أكثر من 16 معركة ضد الإسبان. نسْتذكر بالمناسبة،  تلك التي دارت رحاها عند مشارف أصيلة ـ دوار ارفايف ـ  يوم 15/07/1913، انتصر فيها على فلول  الجنرال سلفستر.
مسألة اختطاف الأجانب: هنا استحضر بيت الشاعر الدمشقي  أديب اسحاق حين قال : [ قتل امرئٍ في غابةٍ .. جريمةٌ لا تُغتَفر / وقتل شعبٍ آمنٍ .. مسأَلةٌ فيها نظر]. و قال الشاعر الأصيلي المهدي أخريف في احدى لقائاته الصحفية أن الرجل ـ أي الريسوني  [ دافع عن بلاده بالطرق و الإمكانيات المتاحة و قتها ]. 
هذا أولا  و ليس أخيرا.
ثانيا : ما علاقة  الشريف أحمد الريسوني بالعرش و القبائل و اتهامه باللصوصية و الإجرام؟  و  هل نازع السلطان في ملكه ـ أي  هل كان  انفصالي بلغة اليوم؟
ثالتا و هي الأهم : كيف لنا أن نكتب تاريخا وطنيا؟

عبدالقادر نخلي 

zaïla.Histoire 

الشريف أحمد الريسوني
  و الاستكبار الغربي