نارجيس الجباري: بين تجريد الأزرق وتأمل الروح ( نقد فني )
الشويخ عبدالسلام، فرنسا.


تستمد الفنانة التشكيلية نارجيس الجباري جذورها الفنية من ألوان أصيلة الساحرة، حيث يندمج الأبيض النقي مع الأزرق العميق، مستلهمةً من ضوء البحر والطابع التقليدي للمدينة. منذ طفولتها، انغمست في عالمٍ حسي وعاطفي، حيث شكلت هذه البيئة الإبداعية خلفيةً راسخة أثرت بعمق على رؤيتها الفنية. على غرار كاندنسكي ( Kandinsky ) ، الذي اعتبر اللون والشكل تجسيداً للروح، نجحت نارجيس  في تحويل هذا التأثر إلى لغة تشكيلية تعكس التجريد والتصوير الرمزي.
التكوين الفني والبحث الجمالي
التحقت نارجيس الجباري بمدرسة الفنون الجميلة في تطوان، حيث صقلت مهاراتها وتعمقت في تقنيات التعبير التجريدي. كان لمهرجان أصيلة السنوي، الذي يُعد منصة ثقافية تجمع بين الفنانين المحليين والدوليين، دورٌ محوري في انطلاق مسيرتها الفنية. هذا الملتقى منحها فضاءً للحوار الحر والتجريب الإبداعي، متأثرةً بروح فنانين معاصرين مثل أغنيس مارتن ومارك روثكو ( Agnès Martin et Mark Rothko) ، الذين اتسمت أعمالهم بالتجريد العاطفي والتأمل الروحي.
فلسفة الإيجاز والبحث الرمزي
تتبنى نارجيس فلسفة الإيجاز في أعمالها الفنية، حيث تكفي بضع عناصر مختارة بعناية لإيقاظ خيال المشاهد وخلق حوار بصري عميق يتجاوز الجمالية التقليدية. باستخدام تدرجات الأزرق والرمادي الأزرق الناعم، تستلهم الفنانة البساطة الجوهرية، على غرار تأملات والتر بنيامين وجان-بول سارتر  ( Walter Benjamin et Jean-Paul Sartre )، اللذين حثّا على استكشاف العلاقة الديناميكية بين العمل الفني والمتلقي.
الجذور الفلسفية والبعد العاطفي
نشأت نارجيس في بيئة فكرية تأثرت بوالدها، أستاذ الفلسفة، ما عزز لديها التفكير النقدي والتحليل المفاهيمي. هذا الانغماس الفكري أيقظ في داخلها شغفًا عاطفيًا عميقًا، مكنها من البحث عن المعنى والجمال في تفاصيل الحياة اليومية.
جدارية المظلات: حوار مع الزمن والذاكرة
من أبرز أعمالها، الجدارية الرمزية التي زينت أحد جدران المدينة القديمة في أصيلة، والتي أُنجزت خلال المهرجان الثقافي. من خلال ضربات فرشاة بتدرجات اللون الأزرق، استطاعت نارجيس خلق جو شاعري يعكس زوال الزمن وتقلباته. التمثيلات الخطية السريعة أضفت على العمل مظهر الرسم غير المكتمل، ما منح التكوين بُعدًا من الحركة والزوال.
الماء والسماء: رمزية الحياة والروح
تعكس أعمال نارجيس تأثير طفولتها المليئة بالغموض والتأمل في حركة السحب وأشكالها المتغيرة. الماء، الذي يظهر بشكل متكرر في لوحاتها، يرمز إلى مصدر الحياة، بينما السماء تمثل قبة صوفية تحمي البشرية من عدم اليقين. هذه الرمزية الفلسفية تفتح آفاقًا للتأمل الداخلي وتعيد تعريف العلاقة بين الفن والمشاعر الإنسانية.