zaïla.Lettres 

عبد السلام مرون

MENU

CULTURE LOCALE

ZAILA.COM
Asilah.fr

عبدالسلام مرون 

كاتارسيس بمذاق مختلف ..

في السينما ، عادةً لمّا يسقط البطل أو يموت ، ينتاب الجمهورَ حزنٌ وأسى عميقان إلى حدّ الشعور بالغبن اتجاه المصير المأساوي للبطل .. هذا ما عوّدتنا عليه الوقائع في مرات عديدة لحظة انتهاء العرض السينمائي حيث التأثيرُ واضحٌ على سُحنات وملامح بعض المتفرجين مما قد يدعو إلى الشفقة .!!
في المسرح ، خصوصاً فيما يُعرف بالمسرح الأرسطي نسبة إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو ، لن يشفعَ للحالة العاطفية والنفسية المترعة بالخوف والرهبة لدى الجمهور المتفرج إلا عنصر الكاتارسيس/التطهير أمام المصير التراجيدي الذي ينتطر البطل ، وهو المصير الذي قد ينتهي لا محالة بفاجعة ..
في أرض الله الواسعة ، حدث أن جمهوراً ، كان على موعد مع فرجة مختلفة بأفق انتظارٍ فنتازيّ شيق ، عذب و مرّ أيضاً ، حيث سنحت الفرصة لهذا الجمهور أن يتعرّف على صورة أخرى لإشكالية البطل على الأقل في سينما ومسرح الواقع كانعكاس " آخر " لما بات يُعرف بالواقعية السحرية !!
في هذا الصدد ، وبالرجوع إلى ذات الفرجة المشار إليها ، لاحظ الجمهور كيف ركزت الكاميرا
بكامل سطوع ضوئها على الاندحار الفظيع لبطل سقط من أعلى الجبل إلى سفحه بوادٍ هناك حيثُ لاشيء إلا الحجر (حْجَر الوادْ ..) وبدا أن السواد الأعظم من الجمهور المتتبع لأطوار المشهد/اللقطة ، كأنه كان في قبضة جليد ثلجي هائل ، حتّى إذا ذاب الجليد بقدرة قادر ، ذاب هُو معه ، انتصاراً وفرحاً لسقوط بطل الحكاية/ الرواية حيث لا شيء يدعو إلى الشفقة والرحمة أو الاحتماء - في مثل هذه الحالة - بكاتارسيس أرسطوطاليس ..!!
إلاَّ أن ما أثار اندهاش الجمهور ولمّا يُنزَل ستارُ قاعة العرض بعدُ ، حيث المَشاهدُ تتدفق تِباعاً والفرجة على أشدّها ، هو سماعه لجَلَبة أناس كانت أصواتهم على شكل كومبارس اقتحموا قاعة العرض مدّعين أنهم حُرموا من اعتبارهم شخوصا أساسيين في الحكاية ، مطالبين بحقهم في رؤية مآل عينيْ بطل الحكاية والنظر في" وجهه العزيز " لمعرفة ما ينوي فعله بعد إماطة الستار عن الفرجة والحكاية ..
- لكنْ ، وبما أن البطل لم يعد بطلاً ، وأن وجهَ البطل الذي كانْ ، لم يعد وجهَه ، وعينيْه لم تعودا عينيْه .. فمع مَنَ ستتحدثون ؟ هذا غير ممكن إطلاقاً .. هل تريدون الحديث مع جثة ؟ هل ترغبون في رؤية وجهٍ لبطل لم يعد وجهُه هو وجهُـه ؟ وكيف ستنظرون وينظر إليكم البطل الذي كانْ وعيناه أصبحتا غير عينيه ..؟
هكذا أقنع شخصٌ قوي البنية - من الرَّاجح أنَّ له وظيفةَ البوكسور أو الفيدور كخلْفية أخرى تقتضيها الحاجة في الحكاية - هؤلاء الشخوص المفترضين وقد ظهروا مذعورين حائرين مما جعلهم بِخاطر رغبتهم ينسحبون ويتبرأون على وجه السرعة من اعتبارهم شخوصاً في الحكاية .. !!
أما الأغرب قبل الدقائق الأخيرة من عمر الحكاية هو عندما انْـبرى أحد المتفرجين من داخل القاعة متسائلا : هل هذا البطل الذي اندحر على الملإ وتحت ضوء الكاميرا ، هل هو ذئب أم ضبعٌ ؟
- ذئبٌ : قال أحدُهم مدّعيا بأنه عنصر أساسي في الحكاية وأردف :
ثقوا بما أقول ، لأنني عرفته عن قرب ورافقته في كل أطوار وخبايا الحكاية ، وخبرته مبدعاً كبيراً في حركاته وقفشاته وتأكدت من صفات الذئب التي لديه ما ظهر منها وما بَطُن ..!!
- بل ضبعٌ ، نعم ضبعٌ : صاحت أمرأة - تأكد أنها من شخوص الحكاية - بصوت جهوري ، لأن في كلامه سحراً يشبه خدر الضبع الذي في الغابة ، ولا أخفيكم ، أنه لما سحرني ، نِمْتُ سنين طويلة من أثر خدره .. ولمَّا زال منّي خدره استفقت على صوت عظامي كاد يلتهمها الضبع - وكان يقهقه - بعد أن نال من لحمي وشحمي ..!!
- لا .. لا .. كان ملا...كاً ، ملا...كاً : قال رجل برأسٍ مُطَأطَأة وبطن ناتِئ .. ثم سكتَ ولم يضف شيئا .
- كلنا ضالعون في الحكاية : قال شاب بصوت رخيم وشعر كثيف وعينين متّقدتين ، ثم أضاف : كلنا نتوهم أننا شخوصٌ أساسيون في الحكاية .. كلنا نهذي في المنام بأننا أبطال هذه الحكاية و القصة والرواية ، حتى صرنا تائهين ضائعين بين مبدعِعها وبطلها وحتى راويها .. !!
صاح شخص بأعلى صوته وكان يرقب المشهد برُوية واحترافية عالية :
COUPEZ ..COUPEZ

كاتارسيس بمذاق مختلف ..