zaïla.Histoire
ZAILA.COM
Asilah.fr
MENU
CULTURE LOCALE
اسامة الزكاري واحد من ابناء مدينة اصيلة, بها نشأ وترعرع وشب, وهو يعتبر من انشط وأشهر الباحثين المغاربين في التاريخ المعاصر, نشر مئات المقالات العلمية في العديد من الصحف المغربية والعربية , قال عنه الدكتور عبداللطيف شهبون : هو في حد ذاته مؤسسة ثقافية وباحث عميق النظرة, ابعاده الثقافية متشعبة, فضلا عن ذاك فهو رجل خلوق
اسماء التمالح
aswattv
أسامة الزكاري
كتابات في تاريخ منطقة الشمال :
" اختلاف وتكامل "
كتابات في تاريخ منطقة الشمال :
" اختلاف وتكامل "
أسامة الزكاري
سنحاول – في هذا المقام – الاحتفاء بتجربة الفنان الراحل عبد الإله بوعود الذي غادرنا على حين غرة عند مطلع شهر يوليوز من سنة 2004، تاركا في نفوسنا وقعا بليغا سيكون من الصعب على كل من جايله أو عايشه عن قرب إسقاطه من ذاكرته. فالرجل كان فنانا مبدعا كانت له بصماته في ساحة الفعل الثقافي ببلادنا من خلال إسهاماته الرائدة خاصة في مجالي الفنون التشكيلية والمسرح، وأغنى ذلك بتكوين أكاديمي رفيع داخل المغرب وخارجه، ثم بممارسة إبداعية متواصلة تم تخصيبها بمسؤوليات مهنية وجمعوية رائدة. فالفنان بوعود هو خريج مدرسة الفنون الجميلة بتطوان، تابع دراسته في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة بالعاصمة البلجيكية بروكسيل. وبعد عودته للمغرب، مارس مهنة تدريس الفنون التشكيلية في التعليم الثانوي بالرباط، قبل أن يلتحق بالطاقم التربوي والبيداغوجي بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي لتدريس مادة التشكيل في شعبة السينوغرافيا، وليترأس هذه الشعبة منذ تأسيسها وإلى حين سقوطه طريح الفراش قبيل وفاته بحوالي سنة. وإلى جانب هذه المهام " الرسمية "، ظل الفنان بوعود مرتبطا بنبض العمل الإبداعي والثقافي ببلادنا، سواء بمقر إقامته بالعاصمة، أو بمدينته أصيلا التي ارتبط معها بعلاقات إنسانية عميقة خلفت الكثير من الآثار في إنتاجاته الفنية وكذا في مساهماته الجمعوية المتميزة داخل جمعيات محلية لها صيت وطني، مثلما هو الحال مع " جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الإمام الأصيلي " ومع مؤسسة " منتدى أصيلة ".
وإذا كانت وفاة الفنان بوعود قد مرت في صمت شبه مطلق، وخاصة بمدينته أصيلا، فإن ذلك ما هو – في الحقيقة – إلا أحد مظاهر الجحود المزمن الذي أصبح يطبع مواقفنا تجاه الذوات الفاعلة التي ظلت تحترق من أجل التأصيل لهويتنا الثقافية الجماعية. وتلك قمة الازدراء بموروثاتنا الرمزية وبمساهمات مثقفينا ومبدعينا، واستهجان غير مقبول بالوضع الاعتباري المتميز الذي من المفروض أن يحظى بشرفه كل من ساهم في رسم معالم الوجه الثقافي لمدينة أصيلا، وخاصة بالنسبة لمن ظل يشتغل هادئا، صامتا، وفي الظل بعيدا عن الضجيج وصخب التغطيات الإعلامية والتنميقات الموسمية. وبالنسبة لمجال التوثيق التاريخي لإبدالات المشهد الثقافي بمدينة أصيلا، فالمؤكد أن عبد الإله بوعود يظل أحد أعمدة الإبداع التشكيلي بالمدينة، وعلامة بارزة في تطور مجالات هذا الإبداع. لذلك فإن رصيده قد تحول إلى مكون أساسي من مكونات التراث التشكيلي – ولنقل الثقافي عامة – الذي يجب أن نهتم بتجميعه وبتصنيفه، في أفق اعتماده كمواد مصدرية في كل محاولات كتابة التاريخ الثقافي والذهني للمدينة.
واعتبارا لكل ذلك، فالكتاب موضوع هذا التقديم يكتسي أهمية كبرى في رصد سياقات التأسيس لأحد أشهر التجارب الإبداعية البصرية التي هيمنت على الفضاء العام للمدينة، وكذا في سبر أغوار الانشغالات الذهنية للفنان بوعود حيث تتداخل الاهتمامات النظرية الأكاديمية مع الولع بتطوير أشكال تلقي الإبداع داخل الفضاء المحلي الضيق لمدينة أصيلا. فلقد صدر كتاب " اختلاف وتكامل : علاقات الفنون التشكيلية والمسرح " سنة 1999، وذلك في ما مجموعه 81 صفحة من الحجم المتوسط، عكست مضامينها أبرز الاجتهادات والتنظيرات الإبداعية التي انتهى إليها الفنان بوعود بعد مسيرة طويلة من البحث في أسس العلاقات الكائنة / والممكنة بين المسرح والفنون التشكيلية. وبما أن الموضوع العام للكتاب لا يندرج في سياق اهتماماتنا التأريخية، وبما أننا – كذلك – لا نمتلك الأدوات الإجرائية والنقدية الضرورية لتفكيك المضامين، فإننا نكتفي بالاستشهاد ببعض مما ورد في الكتاب من معطيات توثيقية خاصة بتجربة الجداريات التي أضحت تؤثث الفضاء العام لمدينة اصيلا منذ فترة نهاية السبعينيات من القرن الماضي. في هذا الإطار، يقول عبد الإله بوعود : " ... وفيما بعد، ووعيا منهم ( مجموعة من التشكيليين المغاربة ) بحدود التجربة، قام هؤلاء بتطويرها وإقامتها في أماكن أخرى إلى أن وصلوا سنة 1978 إلى تجربة جداريات أصيلا. فلقد لبت مجموعة من التشكيليين المغاربة دعوة المجلس البلدي للمدينة للمساهمة في تجميل بيئة المواطن. فقاموا بإنجاز جداريات أهدوا من خلالها للسكان تصورا جماليا لأزقة وجدران المدينة. ويشهد الجميع بالجو الاحتفالي الذي ساد أيام إنجاز الجداريات. وساهمت في هذا الجو مختلف الشرائح الاجتماعية للمدينة.
أصيلا كجل المدن المغربية، جدرانها أشبه بقماشة بيضاء تنتظر الأشكال والألوان. أصيلا لا تعرف غير اللون الأبيض لجدرانها، والأزرق لنوافذ وبوابات بيوتها، تتناغم مع زرقة المحيط وزرقة السماء. جدران أصيلا وأحجامها تناغمت مع ما أضافه التشكيليون فوقها وجاءت الجداريات منسجمة تماما مع مباني المدينة، لأنها كانت في أغلبيتها هندسية الاتجاه. فكما انعكست هذه التجربة على السكان، حصل الانعكاس المعاكس على الفنان القادم من بعيد، والذي خاض لأول مرة تجربة العمل وسط الأهالي ... فلم ينقل الفنان لوحاته إلى المشاهد فحسب، بل نقل " ورشته " كلها ... هذا الاندماج الكلي بين الفنان والسكان حقق جمالا معينا في المدينة دفع السكان إلى الحفاظ على الجداريات وعدم العبث بها. فأصبح العمل الفني جزء لا يتجزأ من البيئة التي يعيشون فيها ويعشقونها. أصيلا كتجربة فنية لم تعرف لها توقفا منذ ذلك الحين، بل باتت الجداريات مشهدها اللوني السنوي ...
إن المدينة فضاء جماعي ومكان للحياة وللجمال. لهذا وجب الحفاظ عليها من أي اكتساح يسيء لعمرانها ويفرض على سكانها ألوانا وأشكالا لها من إمكانيات تقنية ما يجعلها تسيطر على المشهد البصري للمدينة وتؤثر فيه ... " ( ص ص. 44 – 45 ).
هذا هو الفنان الراحل عبد الإله بوعود، حس فني مرهف، وانتماء ثقافي أصيل، واجتهاد نظري غزير، وكد ميداني كان حريصا على خلق التناسق الضروري بين السجالات الأكاديمية والممارسة اليومية والمباشرة. رحمه الله، وعسى أن تعطيه مدينة أصيلا حقه كاملا عند كتابة تاريخ تطور الحركة التشكيلية بالمدينة.
الفنان المرحوم عبد الإله بوعود