zaïla.Histoire 

اسامة الزكاري

ZAILA.COM
Asilah.fr

MENU

CULTURE LOCALE

الفقيه عبد السلام البقالي..

يعتبر المرحوم عبد السلام البقالي واحدا من وجوه العمل التربوي والعلمي بمدينة أصيلا خلال عقود النصف الأول من القرن 20. ارتبط اسمه بمجمل المشاريع التحديثية التي عرفها حقل التربية والتعليم بمدينة أصيلا خلال مرحلة التأسيس والبناء في ظل الهيمنة الاستعمارية. ووازى بين عطائه في هذا المجال، وبين اضطلاعه بمهام خطبة الجمعة بالجامع الأعظم خلال المرحلة المذكورة، بشكل كان يتيح إمكانيات واسعة لمد الجسور بين فعل التربية والتعليم من جهة، وبين عطاء دروس الخطبة والوعظ والإرشاد من جهة ثانية. يعود ميلاده إلى سنة 1898، وحفظ القرآن الكريم ومتون الفقه واللغة بقرية "اخشابش". فقد والديه في سن مبكرة، الأمر الذي جعله يتجرع مرارة اليتم التي أثرت في منعرجات حياته اللاحقة. بعد الانتهاء من حلقات التكوين اللغوي والفقهي وإتقان مظانه الأصلية مثل الألفية والأجرومية، عاد إلى مدينة أصيلا حيث مارس مهنة التجارة بدكان صغير كان يقع قرب جامع سيدي مبارك بقلب المدينة العتيقة.  لم توافق التجارة هوى نفسه، فقرر التوجه إلى مدينة فاس قصد متابعة دراسته العليا بجامعة القرويين، الأمر الذي نجح في إنجازه بامتياز واضح، حيث حصل على شهادة العالمية وتخصص في علم الفلك والتوقيت.
     عاد المرحوم عبد السلام البقالي إلى مدينة أصيلا، وأصبح يضطلع بمهام ذات وضع اعتباري داخل المدينة، على رأسها خطبة الجمعة بالجامع الأعظم والتي أصبح مسؤولا أول عنها بعد وفاة الفقيه البزاز. وبموازاة مع ذلك، أصبح البقالي مديرا لأول مدرسة للبنات بمدينة أصيلا سنة 1937، مستثمرا الانفتاح الذي طبع إدارة فرانكو الاستعمارية في تعاملها مع الوطنيين المغاربة في سياق جهودها لاستقطاب المغاربة إلى صفها خلال الحرب الأهلية الإسبانية التي مزقت إسبانيا بين سنتي 1936 و1939.
      بذل المرحوم عبد السلام البقالي مجهودا كبيرا لإقناع السكان بإلحاق أبنائهم بالمدارس الحديثة، وأشرف بنفسه على جهود التعبئة لتشجيع فتيات المدينة على الالتحاق بمدرسة البنات. لم يكن الأمر سهلا ولا المطلب يسيرا في ظل هيمنة سلط التقليد على العقليات وعلى المواقف، ضدا على رياح الحداثة التي حملتها تيارات التغيير  المرافقة للمشروع الكولونيالي ببلادنا. ويبدو أن اختيار الفقيه البقالي في منصب مدير مدرسة البنات، كان يستهدف إيجاد "المبرر الشرعي" للسكان لإلحاق بناتهم بالمدرسة المذكورة، مادام أن الرجل كان من أهل العلم ولا تشوب سيرته ومكانته العلمية والشرعية شائبة. ولإعطاء القدوة بنفسه، قام الفقيه البقالي بإلحاق بناته الخمس بالمدرسة المذكورة، وشجعهن على طلب العلم، سواء في شقه الديني واللغوي، أم في شقه العصري من خلال مواده الحديثة مثل الحساب واللغة الإسبانية تحت إشراف مساعدة المدير، الإسبانية ماري.
     إلى جانب ذلك، مارس عبد السلام البقالي خطة العدالة، ومهام التوقيت، وكانت له إسهامات غزيرة في هذا الباب. كان مكتبه يقع قرب جامع الزكوري، متخذا شكل فضاء مستقل للعمل، عرف باسم "بيت المواكن"، حيث كان يحتوي على عدد هائل من الساعات، لم يكن الفقيه يكل ولا يتعب من ضبطها ومن تحقيق التوافق بينها في كل وقت وحين. وقد خلف الفقيه البقالي أربعة أبناء، أحمد والبشير والمختار وشكيب، وخمس بنات، الزهرة وآمنة وفاطمة وعائشة وحبيبة. كما ترك العديد من المخطوطات الغميسة في مجالات الفقه والتاريخ، مما لم يعرف طريقه -بعد- للنشر.
     كتب عنه نجله البكر، أحمد عبد السلام البقالي، الكثير من المعطيات التوثيقية الهامة، واستلهم سيرته لإنتاج الكثير من الأعمال الإبداعية، مثلما هو الحال-على سبيل المثال لا الحصر- مع رواية "رواد المجهول" أو مع النص القصصي "السلسلة الذهبية". وظل الفقيه البقالي وفيا لسيرته ولالتحامه بقضايا انشغالاته العلمية والاجتماعية والدينية إلى أن فارق الحياة سنة 1973، بعد أن اختط اسمه عميقا داخل تربة المدينة كواحد من أبرز رجالات العطاء والنبوغ خلال تاريخها المعاصر.