zaïla.Histoire 

اسامة الزكاري

ZAILA.COM
Asilah.fr

MENU

CULTURE LOCALE

اسامة  الزكاري واحد من ابناء مدينة اصيلة, بها نشأ وترعرع وشب, وهو يعتبر من انشط وأشهر الباحثين المغاربين في التاريخ المعاصر, نشر مئات المقالات العلمية في العديد من الصحف المغربية والعربية , قال عنه الدكتور عبداللطيف شهبون : هو في حد ذاته مؤسسة ثقافية وباحث عميق النظرة, ابعاده الثقافية متشعبة, فضلا عن ذاك فهو رجل خلوق

اسماء التمالح
aswattv

أسامة الزكاري 

جديد الدراسات المغربية – الإسبانية: دراسات حول الغرب الإسلامي الوسيط

انتقلت جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير إلى مستويات متقدمة في جهودها لتوسيع دوائر إشعاعها المعرفي، عبر الانفتاح على العوالم الإيبيرية، من خلال نشر عمل تخصصي أكاديمي باللغة الإسبانية، تحت عنوان «دراسات حول الغرب الإسلامي الوسيط: المغرب الأقصى والأندلس»، للأستاذ رشيد الحور، وذلك سنة 2021، في ما مجموعه 143 من الصفحات ذات الحجم الكبير. ويمكن القول، إن هذه المبادرة تشكل تعزيزا لمسار عام اختارته الجمعية لنفسها منذ ميلادها قبل ثلاثة عقود، بالانفتاح على الإمكانات الهائلة التي تتيحها العوالم الإيبيرية، سواء من خلال أرصدتها الوثائقية الدفينة، أم من خلال إسطوغرافياتها التقليدية والمجددة، أم من خلال دراساتها الراهنة المواكبة لتطور درس التاريخ داخل الجامعات الإسبانية وداخل المنتديات العلمية الإيبيرية الرصينة. لقد انتبه المؤرخون المغاربة إلى أن «درس التاريخ» بإسبانيا المعاصرة، قد اكتسب الكثير من عناصر المبادرة في اقتحام حقل الطابوهات، وفي مساءلة اليقينيات، وفي تفكيك أنساق التدوين المرتبط بأحقاد الماضي وبثقل مشاكل الراهن. وازداد الأمر ترسخا، مع نزول باحثين مغاربة إلى مجال «التأليف الإسباني» من داخل أسوار الجامعة الإسبانية نفسها، بعد أن امتلكوا عدتهم المنهجية الضرورية وخلفياتهم المعرفية الوازنة ورؤاهم الاستشرافية الرصينة، مستثمرين في ذلك نزوعهم العلمي نحو استثمار نتائج التطورات الهائلة التي يعرفها مجال الكتابة التاريخية في أرقى مدارسها العالمية من جهة، ثم بداية تبلور نزعة إسبانية واعدة تستهدف تحقيق المصالحة الضرورية مع الذاكرة الجماعية عبر تخصيب أشكال التعاطي العلمي مع عطاء الذاكرة التاريخية من جهة ثانية. فبعيدا عن تبعات وصية إيسابيلا الكاثوليكية الشهيرة التي أطرت مشاريع الغزو الإيبيري، وفتحت الباب أمام شرعنة المأساة الموريسكية عند مطلع العصر الحديث، وبعيدا عن الأحكام الجاهزة والتبخيسية لحصيلة ثمانية قرون من الوجود الإسلامي فوق تراب بلاد الأندلس، وبعيدا عن الانصياع لدغدغة الاستقطاب المرتبط بالمشاكل الراهنة الخاصة بالملفات العالقة، مثل استمرار الاحتلال الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية ومشاكل الهجرة والصيد البحري… بدا واضحا أن الجامعة الإسبانية والوعي الجمعي الإسباني وتصاعد تيارات الانفتاح على «الآخر»، «المورو» ذاك «الجار المقلق»، قد أفضى إلى تبلور معالم توجه عام لإعادة ترتيب أشكال الانفتاح المتبادل، عبر تطويع الدرس الأكاديمي، وعبر التأمل الهادئ، وعبر تجسير جسور الإنصات المتبادل بالضفتين المغربية والإسبانية.
في هذا الإطار، يندرج صدور العمل الجديد للأستاذ رشيد الحور، الباحث المرموق بجامعة سالامنكا الإسبانية، والمؤرخ النشيط الذي اكتسب الكثير من عناصر الريادة من خلال رصيد تجربته لتجسير قنوات البحث التاريخي الميداني بين الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. وأثمر ذلك، صدور سلسلة من الأعمال التنقيبية غير المسبوقة، كان لها صداها الكبير بين الأوساط الأكاديمية الإسبانية وفتحت الأعين على حجم ما ينتظر الإسبان من جهد ومن تأن، ومن بحث لكشف أغوار التاريخ المغربي المقصي من الذاكرة الجماعية الإسبانية. لقد استطاع الأستاذ الحور اكتساب الكثير من عناصر المبادرة في هذا المجال، عبر اقتحام مجالات غير مطروقة ولا متداولة ولا معروفة داخل أرصدة «القضايا المغربية» بالمكتبة الإسبانية، مثلما هو الحال –على سبيل المثال لا الحصر- مع دراسته الهامة الصادرة قبل سنوات عن جامعة سالامنكا حول ظاهرة التصوف المغربي بصيغته المؤنثة. ويقينا أن عمله الجديد يفتح مجالا آخر للتأمل وللتفكيك من زاوية الأسئلة النقدية العلمية الصارمة المرتبطة بحقيقة الوجود العربي الإسلامي ببلاد الأندلس. فالعمل يخاطب «الضمير العلمي» الإسباني باللغة التي يفهمها هذا «الضمير»، في طرق تجميعه لمواده الخام، وفي طرق تحليل مضامين هذه الأرصدة، ثم في أشكال استثمار نتائج هذه العملية في الدراسات القطاعية الأربع التي تشكل حصيلة محتويات الكتاب. يتعلق الأمر بدراسة أولى حول أصداء التمرد الذي عرفته نواحي مدينة قرطبة سنة 818م وذلك بضفاف المغرب الأقصى، ثم دراسة حول ظهور إمارات الطوائف الأولى بالأندلس الممهدة للاكتساح المرابطي والموحدي، فدراسة ثالثة حول أهمية كتب المناقب المدونة لسير الأولياء والصلحاء في مقاربة قضايا لغات البربر المختلفة، وأخيرا دراسة حول وضعية التربية والتعليم بالأندلس خلال العهد الموحدي.
وفي هذه المستويات المختلفة من البحث ومن التدقيق، ظل الأستاذ رشيد الحور مخلصا لمنطلقاته الإجرائية في البحث والتدقيق، مستغلا إتقانه للغتين العربية والإسبانية، مع سهولة التنقل بين ضفاف هاتين اللغتين في سعيه للانفتاح على أمهات التآليف ذات الصلة بموضوعات بحثه.
لم يركن الأستاذ الحور للنزوعات «السهلة» المطمئنة ليقينياتها الإسبانية، والمتعالية في مقارباتها، والمتماهية في نرجسياتها، والمستكينة في أحلامها، والمستنسخة في تمثلاتها. وفي المقابل، اختار الانزياح للمنطق العلمي الذي يعيد تركيب الوقائع وفق مبدأ لا ولاء له إلا للضوابط الأكاديمية المرتبطة بصنعة كتابة التاريخ. وإذا كان هذا النهج العلمي الأصيل قد منح الأستاذ الحور مناعته الأكاديمية داخل المنتديات الجامعية الإسبانية وهو يقارع الحجة بالحجة ويعيد تركيب نتائج تنقيباته وخلاصاته، فالأمر موجه كذلك نحو مساءلة يقينيات الدراسات الأندلسية المغربية والعربية التي كثيرا ما اختارت نهج الاستكانة لأحلامها المتماهية مع مرجعيات «الفردوس المفقود» أو مع العوالم الفاتنة ل»أندلس الأعماق» التي شكلت بؤرة الانكسار المفضي للوجع الحضاري للأمتين العربية والإسلامية للقرون الخمسة الماضية، ولاتزال آثار هذا الوجع قائمة إلى يومنا هذا بتعبيرات مادية ورمزية شتى. والحقيقة، إن الأستاذ الحور، وهو يقتحم هذه العوالم في كتابه الجديد، يضع عناصر ترسيخ نهجه المميز في بناء مشروعه الفكري داخل الجامعة الإسبانية من خلال سلسلة إصداراته المتميزة، وعلى رأسها كتاب «دراسات مغربية- وثائق حول المغرب في الأرشيفات الإسبانية» (2002)، ومساهمته في الكتاب الجماعي «التنظيم القضائي المرابطي بالأندلس» (2006)، وكتاب «الرواية الشفوية والمتون المدونة» (2018).
وبهذه الحيوية المثيرة، استطاع الأستاذ رشيد الحور ترسيخ تجربته داخل بيئة إسبانية متنافرة في أشكال تلقيها لعطاء حقل الدراسات المغربية والعربية المرتبطة بمختلف مغارات تاريخ الأندلس الطويل. سيظل الحضور المغربي والعربي بالأندلس، سؤالا متجددا، وسيظل رواده يتعاقبون على تطوير أنماط تعاطيهم مع هذا الحضور، في سعيهم المستدام نحو توسيع مجال إسقاط أسئلتهم الهوياتية المرتبطة بحقيقة الإسهام الحضاري للتاريخ الأندلسي، وللثقافة الأندلسية، وللانتماء الأندلسي، في عقلنة أشكال التعاطي مع أسئلة الماضي ومع إكراهات الراهن ومع انتظارات المستقبل.


الكاتب : أسامة الزكاري  بتاريخ : 02/04/2022

جديد الدراسات المغربية – الإسبانية: دراسات حول الغرب الإسلامي الوسيط