عبد السلام الجباري.. وجه بهي من أوجه العطاء في حقل التربية والتعليم بمدينة أصيلا. في سنة 1978، التحقت بثانوية الإمام الأصيلي تلميذا بالسنة الأولى، وكان المرحوم الجباري أول من تعرفت عليه من أساتذتنا ومن المواد المدرسة في المرحلة الجديدة. لن أنسى أبدا وجه الأستاذ الجباري المرحب والبشوش. فبملامح هذا الوجه الهادئ، وبصوته الخفيض، وبترحابه الأخاذ، انفرجت نفوسنا وتخلصنا من "هالة" الالتحاق بالتعليم الثانوي. يومها، تمنيت لو أن كل أساتذتنا استقبلونا بنفس الروح المفعمة بالطيبوبة وبالمحبة. وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات، ظلت صورة الأستاذ الجباري راسخة في ذهني، بطبعه المتسامح مع شغب طفولتنا، وبحبه الاستثنائي لمهنته، وبإخلاصه لهندامه الأنيق الذي كان يعكس أناقة فكره ونبل سيرته. مع الأستاذ الجباري، اكتشفت مادة التاريخ، وسمعت لأول مرة بالحضارة المصرية الفرعونية وبحضارة بلاد الرافدين... لم يكن الأستاذ الجباري يكتفي بتلقين مضامين الدرس، بل كان يحول الحصة إلى مجال للإبداع الفني والجمالي، من خلال تشجيعنا وتحفيزنا على إرفاق كل درس من دروس مادتي التاريخ والجغرافيا بأعمال فنية ومجسدات جمالية موازية لمضامين الدرس. بفضله، تعرفت على مجلة اسمها "العربي" كانت تأتينا من دولة الكويت، إذ كان الأستاذ مواظبا على اقتنائها كل شهر. ويعود له الفضل في تعريفنا بملحق هذه المجلة المسمى ب"العربي الصغير". ونحن صغار، كنا دائما منبهرين بصورة أستاذنا، فالرجل لم يتغيب عن درسه ولو مرة واحدة، كان يعاملنا بحب كبير ويستمع لشغبنا بقلب رحب، لا أذكر -أبدا- أني رأيته في حالة غضب أو انفعال، وكأن الغضب صفة سقطت من سيرته ومن شخصيته. لذلك كان حبنا له كبيرا وظل تقديرنا له راسخا، وهو التقدير الذي كنت دائما حريصا على التعبير عنه كلما التقيت به وإلى آخر أيامه. كان رحيله قاسيا، ليس فقط بالنسبة لأسرته الصغيرة، ولكن كذلك لكل الأجيال التي تعاقبت على فصوله الدراسية. لقد صنعت هذه الفصول من الأستاذ سي عبد السلام الجباري صورة مرجعية لرجل التعليم كما خلدتها الذاكرة الجماعية، بأخلاقه وبعطائه وبإخلاصه، وقبل ذلك، بقارة الحب التي كان يزرعها في نفوسنا. رحمه الله تعالى، وسلاما على روحه الطاهرة.

عبدالسلام الجباري...استاذ التاريخ والجغرافية - اعدادية الامام الاصيلي