وصيَّة       



حين يعِنُّ لي أن أكتبَ وصيةً
أوصي بالمدنِ الزرقاءِ
بالأبراجِ المَنيعةِ
وبالأزقةِ الصّامتةِ
بعد انتهاءِ مخزونِها من الصَّخبْ
وبالذين رأيتُهُم بكاملِ بهائِهم
بعد موتِهِم

أُوصِي بالأشجارِ التي رفضتْ أن تتحولَ إلى مقاعدَ خالدةٍ
بكل اللَّيالي التي بِتُّ أبحثُ فيها ،حتى الصّباح،
عن سببٍ واحدٍ لمجيئي إلى هذه الحياةْ
وبالمرافئِ الجهْمةِ التي أقلعت ُمنها

أوصي بالنواعيرِ التي أصرّتْ على الدّورانْ
رغم بوار الأرضِ
وبكل الذين ظلّوا يتجولُون، أحياءَ،
في رصيفِ الذّاكرةِ
المكتظِّ بالجثثْ

أوصي بالمسافاتِ التي قطعتُها
بين النوافذِ الواطئةِ البيضاءَ التي يلعقُها نثيثُ الموجْ
وبيتِنا

وبتلك التي عبرتُها مرتجفةً بين الحزنِ
والقصيدةْ

كلما عنَّت لي فكرةُ كتابة وصيةٍ
أوصيتُ بكلِّ هذا
أو أكثرَ قليلاً
لعلّي أعودُ بعدَ ألف عامٍ
أو أقلّ قليلاَ...

فاطمة الشريكَي شاعرة وكاتبة . نشرت نصوصها الشعرية والسردية بجرائد وملاحق ثقافية وطنية منذ الثمانينات من القرن الماضي, صدر لها ديوان: " وصايا المدن الزرقاء" عن دار أكَورا في مارس 2021.